الاثنين، 9 مارس 2015

هوامش على دفتر البؤس...

لم تعد مشاهد القتل والدماء تُرهبنا، ولم تعد صور البيوت المهدّمة وأصوت الانفجارات تستوقفنا، أصبحت شيئًا عاديًّا شبه يوميّ، متى وصلنا إلى هذا الحال؟ أتذكر منذ وقتٍ قريبٍ عندما كنّا نرى تلك المشاهد من بعيدٍ في حسرةٍ، ونحمد الله سرًا على أحوالنا. والآن ها نحن نستيقظ عليها كل يوم، وتفتح تساؤلنا على ما إن كنَّا نستحق حقًا هذا الوضع... وحين نفّكر حقًا، نجد أنفسنا ندخل المعترك المحرّم، ونتساءل عن قضايا وجودية تُبدِّل بئسنا بؤسًا فوق بؤس... فيغلبنا اليأس، وتجابهنا أشباحٌ تثرثر عن الخيانة...

لم نعد نشتهي الكلام، وإن اشتهيناه نُوَاجَهُ بسلاسل من الاتهامات والقوّلبة، حتى أننا نسأل أنفسنا قبل أن يتهوّر لساننا ويفعل ما يجيده عن ما إن كان رأينا مُهمًا وما إن كان الأمر يستحق، هل يستحق الأمر أن أكون مُصّنفًا، أن أتحمّل عبئًا فوق عبئنا... عبئَ القولبة الفكرية؟ 

فنصبح متهافتين متمَيّعين، نستحسن أن نكون على مسافة متساوية من جميع الأطراف، فنجد من يقول أنّه إسلامي علماني بنظرة رأسمالية تستحسن الاشتراكية، من يقول أن الانقلاب كان قرارًا صحيحًا وغير صحيح في نفس الوقت... فنكتب المقال ونذيليّه بأحاديثٍ ديّنية، نقرأ الكتب فتعجبنا وتلمسنا ليلًا ثم نُصبح نلعنها على صفحاتِ التواصل الإجتماعيّ لأنها كانت خارجةً بعض الشيء... 

ونستمر هكذا إلا أن نكتشف يومًا أننا لا نعرفنا، وأننا بلا شخصيّة أو رأيٍ سليم على الأطلاق، كل ما قلناه لم نكن نعنيه، وكل ما عنيناه لم نعنيه لأننا كنا نعني شيئًا آخر؛ أسرّرناه كي لا نصبح موصومين به، ونضع أنفسنا في دوائر رأينا الذي لم نجد عليه آبائنا وأجدادنا. 

البارحة كنت أجول الشوارع بحثًا في وجوه الناس عن شيءٍ يدفع للكتابة، وصادفت أطفالًا تعتليهم ذلك الوجه الغير مدركٍ لما يدور حوله، تلك الملامح البريئة التي وُضعتَ بلا مستقبل خطئًا وكِبرًا من أبٍ يريد أن يثبت للمجتمع أنه الـAlpha Male وأنّه البريمو، وأمٍ تريد أن تثبت للمجتمع عِفتها وحفاظها على نفسها وتُحقق سنّة الله في الأرض كما قالت لها أمّها ليلة زواجها، وأن تربط الأب بها كي لا يُثّني ويُثّلث...

والحقيقةُ الواقعة، أنني لم أعد أشتهي الكتابة، لم يعد شيئًا يجذبُ إنتباهي حتى الأوضاع السياسية أصبحت مكررّة بشكل مُستفزٍ يثير الاشمئزاز وكأننّا نعيش في فيلمٍ وثائقيّ عالقٌ في زر الـRewind، كل أحلامي أدركتُ مؤخرًا أن مصيرها محتومًا، سأنهي الجامعة، وأبحث عن عملٍ يستنفذ وقتي بكامله، من أجلِ بضع جنيهاتٍ لا تُثمن ولا تغني من جوع، ثم تمضي السنين شيئًا فشيئًا ليُدركني المجتمع والزمن بقيوده، الزواج، الطفولة، إلخ... ثم موتٌ...

أتطلع دومًا إلى شرفة غرفتي وأتساءل كثيرًا ما الذي يمنعني من القفز، من سيأبه؟ وأسمع بإستمرار صوت توباك شكور في أذني: ’’ولو حدث ومِتُّ صغيرًا، من يأبه؟*‘‘، فعلى الأقل الانتحار سيكون خياري، وليس ما يحّتمه عليّ قدري المشئوم في هذا المجتمع...


طالما كان يؤرق تفكيري فيلم Into The Wild وما قد...

طالما كان يؤرق تفكري فيلم Into The Wild وما قد يدفع شخصًا مثل كريستوفر، للهروب؟ والآن، أفهمه، وأشعر به، وكم أتمنى أن تتاح لنا الفرصة لنلحق قريبًا به، في رحلةٍ أخيرة، للنقاء، للحياة من أجل الحياة... بعيدًا عن هذا المستنقع الكئيب الكاذب المُفتعل المليئ بنسخٍ مُكررة من أشخاصٍ بلا حياة.


أراكم المرة القادمة...