السبت، 3 نوفمبر 2018

نظرية الطاسة.

مصر هي طاسةٌ كبيرة، تحملنا جميعًا، تقلينا قليًا جيدًا على نارٍ هادئةٍ فننضجُ وتفوحُ رائحتنا فتقدمنا لعائلتها وتتركُ الباقي ليحترقُ احتراقًا، هذا الإحتراقُ يضفي مذاقًا خاصًا على الوجبة التاليّة، نَفسُ المنزل كما يُقال لذلك يسمونه المطبخ السياسيّ، ففيه تُحدد المقادير ونسبتها، فيها يتمُ إختيارُ الشيفِ ونفسه، لذلك تختلفُ الأنفاسُ باختلاف المطبخِ السياسيّ.

فمثلًا أيامُ مبارك كان هناكَ نفسٌ قويٌّ متمرسُ مليءٌ بالهيلِ (الحبهان) فلا نكهةً تعلو فوق نكهتهِ، وتبعه الإخوان بالزنجبيل فبعضُ الزنجبيل يعد مفيدًا إلّا أنّه وكعادة المبتدئ الهاوي أسرفَ في استخدامه وكعادة الطباخين فإنّه يجب على الطباخ أن يتذوّق طبخته، في حالة مبارك ومع تكرار الطبخة وتضائل الاحتمالات تذوق النظام حبةَ الهيلِ وابتلعها، وأما مرسينا فكما تعلمون أن كثرة الزنجبيلِ تسببَ أمراض القلبِ والجهازِ العصبي فلم تحتمل الطبخةُ ذلك أيضًا.

ثم أتى عصرُ الإسبايسي بنكهاته الحارقةِ، والأكثر حرقةً عند هضمها وخروجها، حتى فقد الجميع القدرة على العيشِ بسبب آلام المعدة الحارقةِ وحتى لم يبقى لأحدٍ القدرة على الاعتراض على الحرقةِ هذهِ بسببِ أنهم يعانون من اسهالٍ شديدٍ يستلزم البقاء في المنزلِ حيث يكمنُ الأمانُ في دورة المياه، وهناكَ من الحالاتِ المتأخرةِ من ركنَ إلى الحفاضاتِ لأنّه فقد القدرة على النهوضِ أصلًا فتقبّل الواقع المُسِهل وتعود على الرائحة.

لكن هذا ليس كل شيء للأسف، فللطاسةِ نظريةٌ أيضًا أحبُ أن اسمّيها نظريّة الطاسة، حيث تتعقدُ الأمورُ أكثر من كوننا مكونٌ في الطاسة، يُصبح لكل مكونٍ طاسةٌ أيضًا، نعم لكلٍ منا طاسةٌ ومختلفة في مادتها بعضها سام كالنحاس هؤلاءِ لا أمل في طاستهم، فحتى لو تم ملئها بكل تقدميّة وديموقراطيّة سيسممونها بسمومهم، وآخرون من الستانلستيل هؤلاء يتشكلون كما يطلبُ الشيف ويتغيرون بتغير الشيف ونكهاته، وينبذون ما قبله ويخلعون عباءته في لحظاتٍ وفي غمضة عين.

ومنهم من أذهبَ الوضعُ طاسته، فراحَ يُعمِّرها، فلا شيف ولا هيلٍ ولا زنجبيل، فقط سباحةٌ فراشيّةٌ لا تعبئ بشيءٍ سوى ملكوتها الموقت، لتعود إليه كما الآخرين بتعاقبُ الأزمان.


فقط سباحةٌ فراشيّةٌ لا تعبئ بشيءٍ...

*****

أراكم المرة القادمة...

الخميس، 23 أغسطس 2018

رسالة - 8#

عزيزتي،

نتأرجحُ في هذه الفانيةِ بين السعادة والألم، بين اليسرِ والعسر، بين الحياة والموتِ، لتمضي أيامنا كالسائر نحو الزمانِ وفي خطواتنا الزمن. نمضي جرحى وفي خطانا الأيامُ، حاضرنا هو وجهتنا وماضينا طعنات في ظهورنا، نحمله على أكتافنا مع ما تبقى من حطام أجسادنا، لنخطو خطواتٍ تكادُ تكون الأخيرة، نلتفتُ حولنا لا نرى سوى مخاوفنا، رماد ذكرياتنا، ودموع ماضينا.

خطوة تلو الأخرى لا مفر، هذا العالمُ قاسٍ حتى في الأحلام، فحتى حينما نحلم تقتلنا أحلامنا، تقتلنا رغبتنا في جعل حياتنا أفضل، تدمرنا رغبتنا في مطاردة السعادة، فيصبحُ سعينا للسعادةَ مصدرًا للألم.

هذا العالمُ كاذبٌ واهمٌ، يكذبُ حتى في إيمانه، يكذبُ في مشاعره وأحاسيسه، يكذبُ في كل ابتسامة، وكل طقس، يعشقُ المظاهر والنفاقْ، ينسالُ بين الخلقِ خيفةَ انفضاحه، فأصبح مجتمعًا مريضًا كاذبًا، كلُ تلك المظاهر وهمٌ، وفي باطن الباطن كلُ ضدٍ.

يبدو أنّها تقترب؛ علامات النهاية، كما تعلمين نحن نتوجه إليّها في ثباتٍ وتأنٍ وبحركةٍ منتظمة وعلى إيقاعٍ رخيم. ستكون نهايتنا نهاية دراماتيكيّة سينمائيّة، حيث سيخترق صوت أجراس النهاية الأفق ونقف في لا مبالةٍ في الظلام وسط الحشود ننتظر الخلاص.

فقدنا كل شيء حتى أحاسيسنا أصبحت مبتذلة، حتى إيفيهاتنا المعهودة صارت ماسخةٌ ثقيلة الظل وكأنها علمت أننا نحتضر، فلم تبذل جهدًا في أن تكون مضحكة. نضيع وسط تسارع الكون حولنا، حتى وإن واكبناه لا نحمل لأنفسنا أي جديد، سوى إسطوانتنا الشهيرة: «كنّا شيئًا في يومٍ من الأيام.».

كل ابتساماتنا، وكل آمالنا تضيع في أعين أشخاصٍ عرفناهم يومًا ما، أقتنصتهم من أمام أعيننا قوىً غاشمة، ولا أمل لنا في خلاص قريب... أحيانًا تنتابني تلك المشاعر بأن هناك أملٌ ما عمّا قريب، في كل ذكرى، في كل رسالةٍ وفي كل حرف.

بعض الناس لا ينام خوفًا من الغد، والغد قادمٌ لا محالة، والنهاية باتت وشيكة، ولعل وعسى ولربما بعدها نُصبح على خيرٍ أخيرًا...

A portrait by Martin Wittfooth.

*****

أراكم المرة القادمة...

الثلاثاء، 7 أغسطس 2018

رسالة - 7#

عزيزتي،

مساءٌ آخر حزين، لا خيرَ فيه في شيءٍ، جُبت الطرقات لا أدري لماذا؟ عقلي لا يتوقف عن التفكير، وقلبي الذي أصبح منذ رحيلك مكسورًا، يتسارعُ ربما أصابني مرض ضغط الدمِ وأنا لا أدري، لكني أكملتُ المسير بلا هُدى، والذي ساعدني في ذلك هي شوارعُ القاهرةِ التي لا تنتهي... 

أنظُر إلى هاتفي في انتظارُ، انتظار أُمٍ مكلومةٍ على ولدها المتوفي، هي تعلم بأنّه لن يرجع ولكنها تجلس على عتبة الباب بإصرارِ، في الماضي كُنت أتعجبُ لهؤلاء الحالمون الباحثين عن الآمال الضائعة، ولكني الآن أتفهمه... أعيشه في كل يوم  ويدفعني للقتال من أجلكِ كل ليلة وأتمنى لو أعلم أنّكِ بخيرٍ بأي طريقةٍ ممكنة. 

أتعلمين كم أفتقدُك؟ أفتقدك كما قالَ إيهاب البشبيشيّ في إحدى قصائده... 

«كأنكِ كفيَّ التي بُترت في صباي، 
أُحس بها لم أزل، فأمُدُّ ذراعي..
لأقبضَ لا شيءَ إلَّا الأسى عصبًا مُستثارًا. 

أَهُمُ ولا أستطيعُ الوصولَ إليكِ،
كفاتنةٍ تَستَحِّمُ على نهر أُقصوصةٍ...
قرأتها مُعلِّمةٌ حينَ كُنَّا صِغارًا.» 

فماذا بعد كل هذا اليأس؟ يقولون «يأسٌ أكبر.». لا يا عزيزتي، ما بعدَ اليأس موتٌ بطيء، ما بعد اليأس ندمٌ، ما بعدَ اليأسِ يا حبيبتي اغتراب.

لكن أنا، أنتِ، نحنُ... لا شيء سوى رمادٌ يتطايرُ في السماء وقريبًا سيهبطُ إلى محطته النهائية. ‏والعالم يا محبوبتي مزرٍ، قميءً حين يتعلقُ الأمر بنا. نعلم ذلك تمام العلم، ولا ندّعي عكس ذلك كما يفعلُ البعض، لكننّا نتمسّك بكل أمل رغمًا عن كل شيء، لا جنون منّا أو خرفٍ...فقط لأننّا نعلم أن الغدَ لا يمكن أن يكون رادعًا لنا لنستسلم، ولا ملاذ أخرًا لنا سوى أن نستبسل لذا فهذا... 

نُخبٌ لليالي الانتظار، ولوهجٍ في أعين العشَّاق ساعة اللقاء، ونخبٌ للحرية والحياة، وآخر لموتٍ ينتظرنا في نهاية المطاف. 

أحُبِّكِ حتى النهاية.

.Waiting by Brett Amory

*****

أراكم المرة القادمة...


الأحد، 5 أغسطس 2018

رسالة - 6#

عزيزتي،

أكتبُ لكِ اليومَ وأنا على حافةِ الهاوية، على أعتابِ الجنونِ، قلبيِ يتسارعُ بلا توقفٍ وقريبًا سيصلُ إلى محطته النهائيّة حيثُ سيتوقف كما يتوقف كل شيءٍ في هذه الدنيا، وربما هو الحلُ النهائيُّ كي يتوقف كل هذا الألم.

خطرتْ ببالي أفكارٌ عِدة، حلولٌ كلها ذهبت أدراج الرياحِ وأعتقدُ أن الحل الوحيدَ المتبقي هو أن أختفي من على هذا الوجود، ربما ينتهي هذا الألمُ وهذا الحزن، الحياةُ ليست عادلةٍ يا حبيبتي، لا تتركُ لنا فرصةً، تُكيل لنا بكل المكاييل وتُخْسِرُنا، هناك حقيقةٌ واحدةٌ في هذه الحياة هو أنني أحبك إلى حدِ الجنون، وربما صرتُ مجنونًا، والمؤسفُ في كل هذا أن المجانين لا يدركون أنّهم مجانين، وكذلكَ العقلاء، الإدراكُ يا عزيزتي نسبيٌّ متباين، يُقاسُ بعلمِ الشخصِ وخبراته وقدرته على الاحتكام لها.

لهذا لا يُدركون مقدار حُبي لكِ، ولا يدركون شكلَ الحياةِ بدونكِ، وصدقًا أقولها إنني أصبحتُ أمقتُ الحياة التي لستِ بها، أكره الصباحَ وأنا أعلمُ أن أعينكِ لم يزورها اليوم.

أبغضُ نفسي كل دقيقةٍ وثانية، كنتُ سببًا فيما تُعانينه، كُل هذا البؤسِ والحزن سببه، سببه أني أخبرتُك ذات ليلةٍ أنني أحببتُكِ وأنني اخترتُكِ دونًا عن غيركِ لأمضي بقيّة حياتي معكِ، إنتابتكِ نوبةٌ متقلبّة كنتِ تتعففين عن هذا الإقدامِ ويا ليتكِ قفلتي هذا البابَ، وانتهتْ حكايتي، كنتِ لتكوني سعيدةً الآن.

آسفٌ أننا حلمنا، لم نُخطئُ فيه في شيء، حلمنا وخططنا ليومٍ نجتمعُ فيه أخيرًا، حُلمًا سعيدًا، يليقُ بقصتنا، لكن القدر أبى وحال بيني وبينكِ كموجٍ غائرٍ حال بين نوحٍ وأبنه.

أسفٌ عزيزتي على كل لحظةٍ وكل أملٍ كاذبٍ، وعَدتُكِ بأنني سأقاتل من أجلكِ حتى النهايةِ وسأظلُ، فلا أملكُ في الدنيا هذه سوى ذكراكِ. أنا على كافةِ وعودي، وسأراكِ حتمًا يومًا ما، أو ربما يُحكمُ القدر قضائه، فأعدُكِ أنني سأركِ في الحياة الأخرى.

أحبكُ حتى النهاية.

.So close, So far away by Huang Saifeng


*****

أراكم المرة القادمة...

الأربعاء، 1 أغسطس 2018

رسالة - 5#

عزيزتي،

نحنُ نكتب لأن كلماتنا تُهِم، نكتُب كي نبقى وتبقى أحاسيسُنا ومشاعرنا. بين السطور قصصٌ وحكاياتٍ، تستشعرُ صدقها عندما تقرأها، تمُسُ كيانك، وتعبثُ بأفكارك، تُلقي بكَ في بحور من الذكرياتِ والأحلامِ والخيالاتِ التي تراودكَ من حينٍ لآخر، تضعُك حيثما ترغب سواءً؛ مصدِّقٌ أم مُكذِّب... هو خياركَ أنت.

ما نستشفَّه من القراءة ادعاءٌ، ادعاء معرفةٍ، نقرأ التفاسيرَ فنأخذُ ما يحلو لنا وما يمكِّنُنا نحن فحسب، وندعي العدلَ ونؤمنُ به ونمارس الظلم بكافةِ أشكالهِ في الظلامِ حيث لن يرانا أحد، نمارسه على ما نملكه، ومن لا يملكُ الدفاع عن نفسه، بل ونبرّرُ لأنفسنا ذلك بقولنا: «حكمةً وصوابًا.»، لكننّا في الحقيقة وفي أعماقِ أعماقِ أنفسنا نعلمُ، نعلم أننا مُدعين! ندعي الإيمانَ ونفرضه، ونحين تشتدُ بنا الأمورَ ويتعلقُ الأمر بنا نُبدِّل هذا الإيمانَ بإيمانٍ آخر كنّا نعيبه البارحة، إيمانًا يستثني شخصنا.

يدَّعي البعضُ في بلادنا، أنّه ليسَ منهم من لا يوقِّر كبيرهم، حجةٌ منهم كي يبقوا الصغار عمدًا تحتَ السيطرة، كي يجادلوا ولا يكشفُ الشبابُ ضيقَ أفقهم وسذاجةَ أفكارهم، ويتناسون بكل أريحيّة الرحمةُ والرأفة، فهي غيرُ مفيدةٍ لن تنفعهم.

يجبرونهم على كل شيءٍ وقد أمروا بغير ذلك، تُغريهُم السُلطةُ نفسُ السلطةُ التي يقذفونها كل يومٍ ويلعنوها...

حبيبتي، الحبُ كانَ خطيئتُنا الوحيدة، إثمنا كانَ أنّنا اخترنا بعضنُا بعضًا، كسرنا قالبًا مجتمعيًّا لعينًا، وندفعُ ضريبةَ حبنا هذه عزلةً وألم، خبّروني أعادلةٌ هذهِ الحياة؟ أعادلٌ هذا الحُكم والتشريع، أنهم لا يرون إلّا أنفسهم، لا يخافون إلا من صورةٍ شكَّلها لهم فعبدوا المجتمع وتقاليده وأصبحوا مسوخًا، أترين سخريةَ القدر في كل هذا؟

تعلمين كم أفتقدُك؟ أفتقدُك بعدد النجومِ، والأكوانِ والمجراتِ، بعدد الطرقاتِ التي حلمنا أن نسلكها معًا، وبعدد كل حلمٍ حلمناه، ونبضاتِ قلبي وقلبكِ التي تضطرم كل لحظةٍ لما آلت إليه أمورنا... وإلى أن نلتقي أخيرًا... أنا على وعدي ... أحبكِ حتى النهاية.


.Angel Footfalls - Dante Gabriel Rossetti


*****

أراكم المرة القادمة...

الخميس، 19 يوليو 2018

رسالة - 4#

قادتني الصدف ذات مرةٍ لأبحث عن سببٍ يدفعني للحياة، فالتقطتُ حاسوبي وفتحتُ ملفَ كتابةٍ فارغٍ وجلستُ أنظر وأنظر ولا شيء سوى دخانُ شايي يحومُ حولي يصنع هالةً سرعانَ ما تختفي أمام حاسوبي بفعل الهواء، جلستُ أنتظر ويدي على المفاتيح أكتبُ كلمةً ثم أمسحها، عايشتُ مثل تلك الحالة منذ فترةٍ ليست ببعيدة عندما كنتُ أكتب مسودة روايتي الأولى، أضغطُ على نفسي لأكتبَ لكن لا شيء. 

في قلبي غُصَّة أكادُ أجزم أنها كصدأ يأكلُ جسدي، أأكلُ فقط كي أستطيع إكمال يومي، توقفتُ عن القراءةِ، وعن كل شيء تقريبًا، أصحوا أتفقدُ هاتفي بحثًا عن أملٍ جديدٍ، ثم أضع ملابسًا على جسدي وأتجه للعمل بلا أي أملٍ أو همة، لقيماتٌ أداوي بها إجهاد جسدي، وماءٌ لاتقاء الجفاف ثم المنزل حيثُ أرتمي نحو سريري فأنام، ثم أعيدُ هذا الروتين القميءُ مرةً أخرى، يومًا تلو الآخر. 

كمْ أتمنى لو أن شيئًا لم يحدثُ، كم أرجو أن أعلمَ بأنكِ بخيرٍ وأنَ الأمور على ما يُرامُ، كم أحلمُ أن نتحاورَ فيُبيّنَ كلٌ وجهةَ نظرهِ، وتنتهي كلُ تلكَ الأحزان، أخبرتُك مرارًا وتكرارًا أنّ حبنا سينتصرُ في النهايةِ، وأنني لن أسأم من المحاولة معهم أبدًا...

باسم أول «أحبُكِ.» وآخر «سلام.» وإلى شاهدِ قبرٍ يحمل اسمي أو اسمك، وباقة وردٍ تغوص في دموع الفراق تحمليها أو أفعل في سوادِ الليلِ وسواد الحدادِ، ودموعٌ تأبى الانهمار نجاهد أعيننا كي تذرفها، وإلى أن نلتقي... مجددًا... أو في حياةٍ أخرى، أو في زيارةٍ في ليلةٍ الذكرى، أو في هلوسةٍ من الهلوسات، وفي كل رسالةٍ حُفرت في الأذهان... لن أسأمَ أبدًا وحبي لك أبديٌّ لن يتوقفَ .

باسم أول «أحبُكِ.» وآخر «سلام.»...


*****

أراكم المرة القادمة...

الخميس، 5 يوليو 2018

رسالة – 3#


عزيزتي،

في البدء اعلمي أنني أحاولُ ولن يثنيني شيء عن ذلك.
محبوبتي، ضلتَّ سبلنا فجأة دون أي مقدماتٍ، نعم أخطئنا، لكنّنا لم نكن أبدًا ظالمين، لم يظلمُ بعضنا بعضًا بوعودٍ زائفة، كنّا مثالًا للصدقِ في كل شيءِ، وما زلنا...
أكتبُ لكِ وقد ضاقت بيَ السبل، ضلتّ أرواحنا في صحراء الحياةِ القاحلة، وجلّ ما تبقى لنا هو سرابُ حبنا الذي يتمثّل لنا فنستجمع حطامَ أجسادنا تجاهه، نحملُ ذكرياتنا وآمالنا نحوه، لا سبيل لنا سواهُ، حتى عندما نصلُ ونجده يبتعد، نبتسم لأننّا نؤمنُ به حتى وإن خذلتنا كُل الظروفِ، فعندما يتمثلُ أمامنا تضيءُ قلوبنا بذكرياتنا السعيدة، بابتسامتنا حتى عندما تخور قوانا ونعجزُ عن النهوضِ مرةً أخرى.
العطشى في الصحراءِ يتخيّلون الماء في كلِ سراب، أما نحنُ فيتمثل لنا حبنا، لنعاود المقاتلة من جديد. وعدتكِ أنني سأفعلُ المستحيلَ من أجلكِ، ولكنّهم يأبون حتى ذلك المستحيلِ، وكأنهّم يتعمّدون جرحنا لأنّنا أحببنا.
يقتلونّني ظنًا، وظنهم أثمٌ. نحنُ نخطئُ لأنّنا بشرٌ، نخطئٌ وحينَ ندركُ أخطائنا نندمُ ونتوبُ، لأنّ لا ملاذ لنا سوى أن نتوبُ وندعو أن يُغفر لنا، ولأننّا نؤمنُ بأن التوبة هي الصوابُ.
أعدُكِ أنني سأحاولُ حتى النهايةِ، أحاولُ من أجلكِ، خبّريهم أن ظنونهم تلكَ أثمٌ، وخبريّهم أنّني مستعدٌ لأن يسمعوا مني، لا أن يسمعوا عني، وأن لا يبنوا حائطهم الظنين بينَ قلبي وقلبكَ لأنني مهما طالَ الزمانُ سأحطمّه كي أصل إليكِ، وسأصل.

أحبكِ حتى النهاية.


العطشى في الصحراءِ يتخيّلون الماء في كلِ سراب، أما نحنُ فيتمثل لنا حبنا، لنعاود المقاتلة من جديد...


*****

أراكم المرة القادمة...

السبت، 30 يونيو 2018

رسالة - 2#

عزيزتي، 

اليومَ أخذتُ تميمتي وقلمي وقصدتُ الشارع، ومضيتُ فمضت أقدامي بغير هدى لأجد نفسي على كورنيش المدينة، رأيتُ طفلًا وطفلة، شابًا وفتاة، رجلٌ وسيدةٌ وكهلٌ يتكئُ على رفيقةِ دربة تأخذ بيده وهي تبتسم، جرى شريطي على غير العادةِ فرأيتني طفلًا ألهو، ورأيتُكِ طفلةً تبتسم، رأيتنا شابًا وفتاةً يتبادلان خُطط حياتهما معًا وعيناهما صوب الغروب، ونسيم البحيرة البديع يهُب من أجلهما ليرسم لهما ذكرىً بديعةً، شمعةً ستنير طريقهم في ظلام هذا الكون الظالم، دمعت عيناي لأنني وددتُ لو أن تكون هذه ذكرانا، أن يكون هذا نحنُ. 

وددتُ بأننا لم نولد، لأننا لا نستحقُ هذا الألم، خبّريني أيستحقُ العشَّاقَ كل هذا الوجع، هذا العالمُ يقتلنا في كل لحظة، يقتلُ الإبتساماتِ قبل أن تخرجُ، يغتالُ المشاعر حين البوح، ويأبى بكبرياءِ الظالم أن يتركهم لحالهم، يفرضُ عليهم قيوده وتحكماته، لأنّه لم يجرب الحبُ، لا يفهمه، فيأبى حتى تركهم سعداء. 

هذا المجتمعُ بائسٌ، لا يفهمُ إلا الخوفُ، لا يُجيدُ حتى الابتسام، ثم يحيكُ المبرراتِ ويصبغها بآياتٍ كي يبررَ ذلك، يتناسى ساعتها كلُ آياتِ الغفرانِ والرحمةَ والعفو، لو توقفَ للحظة لفهم أنّه يتعالى على الخالقِ الذي يظنُ بأنّه يرضيه ويأبى التوبة والعفو، يأبى أن يكون مصدر سعادة، يأبى حتى الاستماع. 

أتمنى لو يقرئون هذه الرسائل، وكوني بخير من أجلي. وسأقاتلُ حتى النهاية.

ونسيم البحيرة البديع يهُب من أجلهما ليرسم لهما ذكرىً بديعةً...

*****

أراكم المرة القادمة...

الجمعة، 29 يونيو 2018

رسالة - 1#

عزيزتي،

أخبرتُك يومًا ما أنّي سأقاتلُ من أجلكِ، وسأفعلُ، حاولت بشتى الطرق التواصل معكِ لكن بلا فائدةٍ تُذكر، قطعوا كل الوسائل الممكنةِ للتواصل لكن لا بأس، أعلمُ بأنّك فور قرائتكِ لهذه سترسلين لي علامة بأنك بخير متى أستطعتِ، تعلمين بأنني لم أؤذكِ يومًا، وتعلمين مقدار حبي لك أيضًا، صدقيني هم لا يعلمون، هم يرون الرسائل يرونها كأنها عبثٌ وطيشٌ لا يُغتفر، ربما نكون تمادينا وتجاوزنا في بعض الأمور، لكننا لم نخطأ أبدًا، رسمنا مستقبلنا من يومنا الأولِ أتذكرين؟ أنا وأنتِ ولا أحد معنا؟  لكن الدنيا قميئةٌ مزرية، لا تدع أحدًا على حاله! رغمًا عن ذلك كلّه كوني مؤمنةً بأني لن أخذلكِ أبدًا ولن أتوقف عن المقاتلة من أجلكِ أبدًا، وكوني كما عهدتُك جميلةً قويّةً، وسنلتقي أعلمُ ذلك جيدًا، لا يمكنُ أن تنتهي القصةُ هكذا أبدًا. أحملُ تميمتُكِ أينما ذهبتُ تخبرني أن كل شيءٍ سيكون على ما يرام، البارحة حاولتُ أن أكتب لكني كلما أكتبُ تخرج كلماتي فاترة وبلا معنى، أتعلمين حين أخبرتني أن العالم من غيري شيءٌ مستحيلٌ، كُنتي مخطئةً يا عزيزتي، العالم من غيرنا معًا سيمضي كما يمضي غير عابئٍ بقلوبنا المجروحة، العالم قاسيٍ وظالم لا يعبئ بنا وبسعادتنا، العالم يعبئ فقط بالصورة المثالية التي يلتحفُ بها ليستر عوراته، ربما العالم لا يستحقُ صدقنا ولا عفويتنا هذه، لم نقترف شيئًا سوى حبنا لذاتنا وحبنا لحياتنا معًا، وعلى الرغم من ذلك نُعامل ويقولون شياطين، لكن لسنا بشياطينٍ يا عزيزتي، الشياطينُ تؤذي، ونحنُ لم نؤذي. أخبريهم يا عزيزتي أنني أحبك وعلى أتم الإستعداد لكلِ شيء. وأن بإمكانهم إلقاء اللوم عليّ لو أرادوا، لا أريد سوى أن أرى الإبتسامةَ على وجهكِ مرة أخرى، حتى ولو لم أكن هناك على الجهة الأخرى لأراها هذه المرة. لكني سأكون سعيدا لأنني أعلم بأنّك على ما يرام.  وإن لم يكن سأكونُ كـ"سعدٍ" هذه المرة في (23:38)، وسأحضر وسأصفق لكن سأكون على عكسه سعيدًا حين أراكِ سعيدةً أخيرًا، لربما يكون هذا قدري في النهاية.

أحبكِ حتى النهاية.
...أحملُ تميمتُكِ أينما ذهبتُ تخبرني أن كل شيءٍ 

*****

أراكم المرة القادمة...

الأحد، 3 يونيو 2018

بول شيت - 25#: نور.

في قلبي نورٌ
أقوى من شعاعِ شمس
بعد شتاءٍ قارصٍ سقط.

حمل الضياء لكون غامقٍ
فأينعت ورود البساتين
وأختالت تتمايل ورنت.

وهدأت موجاتُ بحر هائج
وأرتاحت قلوب المحبين وصفت.

غدا يلتقي المحبين،
بعد الغروب يشاطرهم في ذلك قمر.

لا فراق بعد الليل، لا شطط...

لينتهي اللقاء بلا فراق...
ففي القلوب ضحكاتٌ وسمر.

في القلوب أصبح نورٌ...
أقوى من شعاعِ شمس
بعد شتاءٍ قارصٍ سقط.

حمل الضياء لكون غامقٍ
فأينعت ورود البساتين وأختالت تتمايل ورنت...

"تكرار..."

 .Julianna Suzla - Clouds 

*****

أراكم المرة القادمة...

الأربعاء، 4 أبريل 2018

في رثاءِ أحمد خالد توفيق

اليوم شُيعت جنازةُ كاتبٌ من أكثر الكتابِ تأثيرًا في جيل من الأجيال وعى على سلاسل مختلفة من الكُتب في زمنِ لم يكنْ فيه الكثيرُ من المتع، زمنٌ آخرَ غير الزمن، زمنُ القناةِ الثانيةِ والأولى وبرنامجُ الفنِ السابع، وعىَ هذا الجيلُ على مُتعٍ ضئيلةٍ ولكنها كانت ذاتَ مذاقٍ آخر، كإصداراتِ مجلة ميكي، وربما بعضًا من التان تان والفلاش من بين هذا ظهرت سلاسل أحمد خالد توفيق المختلفة بغموضها كما في الماورائيات، وبتشويقها كما في فانتازيا، نمى هذا الجيل على تلك السلاسلِ في مجتمعه المحافظَ بينما كانَ صوتُ التديُّن الوسطيِّ يعلو صوته في الأرجاءِ بظهورِ إقرأ وزياعِ صيتِ عمرو خالد.

كانت سلاسلُ أحمد خالد توفيق توافق هذا الأتموسفير في صمتٍ، تلعبُ على أوتاره بهدوءِ عازف كمانٍ في آخر مقطوعة موسيقيّة، لا سياسة، ولا تنوير فقط تشويقٌ قصصيّ يلعبُ دوره رفعت ببراعته المعهودة، يختفي دورُ النساءِ تقريبًا ويعلوا صوت "مكانكنّ المطبخ" بصراحةٍ وبلا أدنى خجلٍ ليتوافقَ مع المجتمعِ في آراءه.

كبُرَ هذا الجيل وكبُر أحمد خالد توفيق ونضجَ، وربما يظهر ذلك جليًّا في كتاباته المتأخرة مثل السنجةِ ويوتوبيا ولكن كان الأوانُ قد فاتَ. هذا الجيلُ هجى عرابهُ في السنجةِ هجاء العدو، لأنّه لم يتقبّل الوهمَ الذي كُوِّنَ في مُخيّلته نتاجَ شيءٍ لم يكن لأحمد خالد توفيق فيه دخلٌ وإنّما أحبّه الشبابُ لأنّه لم يهجوا أصنامهم، أدبهم النظيفُ وسينماهم العفيفة، عن غير قصدٍ ربّي أحمد خالد توفيق قراءه على الكلماتِ المتحفظة الوسطية "الكيوت"، فوجد قراءه هذا مناسبًا تمامًا للأفكار التي تربوا عليّها، ليصبح الأدبَ النظيف الغير مكتمل المسلوبَ المشاعر والأحاسيس هو الأدب الأمثل.

أحمد خالد ليسَ له ذنبٌ رغمًا عن ذلك في هذا الجيل وهؤلاءِ القراءِ السطحيين الذين اختزلوا الأدب في صورهم في صور المثاليّة والأخلاقيّة المبتذلة، أحمد خالد توفيق وقع في فخ وأراد أن يُحرر قراءه من تلك الصورة الطفوليّة للأدب، فأخرجَ لنا السنجة التي كشفت لنا أنّه يريد أنّ ينضج بقرّائه، وكذلك يوتوبيا...

أحمد خالد توفيق أديبٌ رائعٌ ظهر في زمنٍ غير مناسبٍ فحسب وفي قراءٍ غير ناضجين لم يتقبلوا شخصه الحقيقيّ ورغبته الحقيقيّة في إنتاج أدبٍ حقيقيّ ليرحل كأي مظلومٍ لم يسعفه الوقت في نفض سترةِ رفعت إسماعيل والإتيانِ بيوتوبيا جديدة أدبٌ يعبّر عن قدراته الأدبيّة وإحساسهُ وسرده وخياله الذي لطالما أذهلنا.

وداعًا أحمد خالد توفيق، وداعًا أيها الأديبُ المظلوم!

1962-2018

*****

أراكم المرة القادمة...

السبت، 6 يناير 2018

بول شيت – 24#: طيفٌ وأشياء أخرى.

في المستنقعات طيفٌ
يُسائلني من أنت؟
فهل تُجيبُ؟

أصمت برهةً
وأتلوى بحثًا في ثنايا الليل
عن مفيدٌ.

أتوسدُ مسندًا عن جانبي
وأدني فنجان نحوىُّ حلقي لأرتشف منه
وأقول خاطبًا كمن تلقى ألهامًا
عند موتٍ قريب.

أنا الوريدُ...
دمًا يسري
وقوافي كانت لي الصديق.

أنا المُسجَّى على السطور قصائدًا
وتمائمًا للعشق والحبيب.

أنا الطريقُ في رفيقٍ تحبه،
أنا الآمالُ في صندوق ذكرياتٍ
على فراش النفسِ الأخير.


أنا الرحيقُ يسقي فراشاتٍ
ونحلةٍ تلثغُ عاشقًا
هم يسرق قبلةً من حبيبٍ له في الطريق.

أنا... أنت، وأنتَ أنا...
عابرٌ فحسب يبحثُ عن رفيق.



*****

أراكم المرة القادمة...